للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ: مُنَاقَشَتُهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْأَقَانِيمَ صِفَاتٌ جَوْهَرِيَّةٌ تَجْرِي مَجْرَى الْأَسْمَاءِ]

وَأَمَّا قَوْلُهُم: هَذِهِ صِفَاتٌ جَوْهَرِيَّةٌ تَجْرِي مَجْرَى أَسْمَاءٍ.

فَإِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِم: جَوْهَرِيَّةً أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ جَوْهَرٌ، فَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَإِنَّ الصِّفَةَ الْقَائِمَةَ بِغَيْرِهَا لَا تَكُونُ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ حَرَارَةَ النَّارِ الْقَائِمَةَ بِهَا جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَالنَّارِ، فَهُوَ إِمَّا مُصَابٌ فِي عَقْلِهِ وَإِمَّا مُسَفْسِطٌ مُعَانِدٌ.

وَالْأَوَّلُ: يَسْتَحِقُّ عِلَاجَ الْمَجَانِينِ.

وَالثَّانِي: يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي تَرْدَعُهُ عَنِ الْعِنَادِ.

ثُمَّ إِنْ جَازَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ جَوْهَرًا كَانَتِ الْقُدْرَةُ أَيْضًا جَوْهَرًا.

وَإِنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِم: جَوْهَرِيَّةً أَنَّهَا صِفَاتٌ ذَاتِيَّةٌ، وَغَيْرُهَا صِفَاتٌ فِعْلِيَّةٌ كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةَ مِنْهَا الْقُدْرَةُ وَغَيْرُهَا فَلَمْ تَنْحَصِرْ فِي هَذِهِ.

وَأَيْضًا فَالْكَلَامُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِذَاتِهِ، فَقِيلَ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَكْثَرِينَ، وَقِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ.

وَالْمُتَكَلِّمُ قِيلَ: هُوَ مَنْ فَعَلَ الْكَلَامَ وَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقِيلَ: الْمُتَكَلِّمُ مَنْ قَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>