للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ: مَنْ طَلَبَ آيَةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَالْحِكْمَةُ مِنْ تَتَابُعِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى النُّبُوَّةِ]

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرْسَلَ نَبِيًّا وَأَتَى بِآيَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ قَامَتْ بِهَا الْحُجَّةُ، وَظَهَرَتْ بِهَا الْمَحَجَّةُ، فَمَنْ طَالَبَهُمْ بِآيَةٍ ثَانِيَةٍ لَمْ تَجِبْ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، بَلْ وَقَدْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِآيَةٍ ثَانِيَةٍ طُولِبَ بِثَالِثَةٍ، وَإِذَا جَاءَ بِثَالِثَةٍ طُولِبَ بِرَابِعَةٍ، وَطَلَبُ الْمُتَعَنِّتِينَ لَا أَمَدَ لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ فِي مَسْأَلَةِ عِلْمٍ أَوْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي يَتَخَاصَمُونَ فِيهَا، وَقَالَ: أَنَا لَا أَقْبَلُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ كَانَ ظَالِمًا مُتَعَدِّيًا، وَلَمْ يَجِبْ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا يُمَكِّنِ الْحُكَّامُ الْخُصُومَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِحَقِّ الْمُدَّعِي حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ: أُرِيدُ بَيِّنَةً ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً، وَرَابِعَةً، لَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ، فَحَقُّ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَبِرُسُلِهِ أَوْلَى إِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَوْجَبَتْ عَلَى الْخَلْقِ الْإِيمَانَ بِرُسُلِهِ أَنْ لَا يُجِبْ إِجَابَةَ الطَّالِبِ إِلَى ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ.

ثُمَّ قَدْ يَكُونُ فِي تَتَابُعِ الْآيَاتِ حِكْمَةٌ، فَيُتَابِعُ تَعَالَى بَيْنَ الْآيَاتِ، كَمَا أَرْسَلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِعُمُومِ دَعْوَتِهِ وَشُمُولِهَا، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ كُلَّمَا كَثُرَتْ، وَتَوَارَدَتْ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>