للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَثِيرٌ مِنْ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ الْمُصَنِّفِينَ فِي أُصُولِ الدِّينِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الدَّلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا قَبْلَ كَوْنِهِ عَالِمًا وَحَيًّا، وَيَقُولُونَ: الْعِلْمُ بِذَلِكَ أَسْبَقُ فِي السُّلُوكِ الِاسْتِدْلَالِيِّ النَّظَرِيِّ لِدَلَالَةِ الْأَحْدَاثِ وَالْفِعْلِ عَلَى قُدْرَةِ الْمُحْدِثِ الْفَاعِلِ فَيَجِبُ أَنْ يُثْبِتُوا لَهُ صِفَةَ الْقُدْرَةِ مَعَ الْعِلْمِ.

وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَيَّ لَمَّا كَانَ يَنْقَسِمُ إِلَى سَمِيعٍ، وَغَيْرِ سَمِيعٍ، وَبَصِيرٍ، وَغَيْرِ بَصِيرٍ، وَصَفْنَاهُ بِأَشْرَفِ الْقِسْمَيْنِ، وَهُوَ السَّمِيعُ وَالْبَصِيرُ.

وَكَذَلِكَ فِي النُّطْقِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْبَيَانُ وَالْعِبَارَةُ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ، أَوْ مَعْنًى مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْحَيَّ يَنْقَسِمُ إِلَى مُتَكَلِّمٍ، وَمُبَيِّنٍ مُعَبِّرٍ عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَإِلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ تَصِفُوهُ بِأَشْرَفِ الْقِسْمَيْنِ، وَهُوَ الْكَلَامُ الْمُبَيِّنُ الْمُعَبِّرُ عَنْهُ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنَ الْمَعَانِي.

وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوصَفْ بِكَوْنِهِ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا لَوُصِفَ بِضِدِّ ذَلِكَ، كَالْمَوْتِ وَالْجَهْلِ وَالْعَجْزِ وَالصَّمَمِ وَالْبُكْمِ وَالْخَرَسِ، وَمَعْلُومٌ وُجُوبُ تَقَدُّسِهِ عَنْ هَذِهِ النَّقَائِصِ، بَلْ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ، وَأَجَلُّهَا وَأَعْظَمُهَا، وَرَبُّ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَخَالِقُهُ وَمَالِكُهُ، وَجَاعِلُ كُلِّ مَا سِوَاهُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ شَيْئًا عَاجِزًا جَاهِلًا أَصَمَّ أَبْكَمَ أَخْرَسَ، بَلْ مِنَ الْمَعْلُومِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَذِهِ النَّقَائِصِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>