للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْئًا فَشَيْئًا، سَوَاءٌ أُرِيدَ بِالنُّطْقِ الْعِلْمُ أَوِ الْبَيَانُ فَكِلَاهُمَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لِلنَّفْسِ النَّاطِقَةِ، بَلْ حَدَثَ فِيهَا وَاتَّصَفَتْ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَتْ قَابِلَةً لَهُ نَاطِقَةً بِالْقُوَّةِ، فَإِذَا مَثَّلُوا تَوَلُّدَ النُّطْقِ مِنَ الرَّبِّ كَتَوَلُّدِهِ عَنِ الْعَقْلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ كَانَ نَاطِقًا بِالْقُوَّةِ، ثُمَّ صَارَ نَاطِقًا بِالْفِعْلِ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ صَارَ عَالِمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَأَشَدِّهِ اسْتِحَالَةً، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ يَجْعَلُهُ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَا، إِذْ كُلُّ مَا سِوَاهُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهُ وَكَمَالُهُ مِنْهُ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَاعِلُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَ - تَعَالَى - كَامِلًا.

وَذَلِكَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ، إِذْ كَانَ الشَّيْءُ لَا يَجْعَلُ غَيْرَهُ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ مُتَّصِفًا بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِفْ بِهَا حَتَّى جَعَلَهُ غَيْرُهُ مُتَّصِفًا بِهَا لَزِمَ الدَّوْرُ الْمُمْتَنِعُ، مِثْلُ كَوْنِ كُلٍّ مِنَ الشَّيْئَيْنِ فَاعِلًا لِلْآخَرِ وَعِلَّةً لَهُ أَوْ لِبَعْضِ صِفَاتِهِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْفِعْلِ فَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ كَوْنِ نُطْقِهِ مُتَوَلِّدًا مِنْهُ، كَتَوَلُّدِ النُّطْقِ مِنَ الْعَقْلِ، كَمَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِصِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ مَا هُوَ مَبْدَأٌ لَهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا أَوْ فَاعِلٌ لَهَا.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الِابْنِ أَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادُوا بِهِ أَنَّهُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَهُ، فَكَذَلِكَ الْحَيَاةُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلَّهِ، فَيَكُونُ رُوحُ الْقُدُسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>