للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُمْ إِمَّا أَنْ يُسَلِّمُوا أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا حَيَاةَ اللَّهِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهَا مَعْنًى غَيْرَ الْحَيَاةِ، فَلَوِ اسْتُعْمِلَ فِي حَيَاةِ اللَّهِ أَيْضًا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يُرَادَ بِهَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَسِيحِ، فَكَيْفَ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي حَيَاةِ اللَّهِ فِي حَقِّ الْمَسِيحِ.

وَإِمَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَيَاةُ اللَّهِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحَوَارِيِّينَ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ لَزِمَهُمْ أَنْ يَكُونَ اللَّاهُوتُ حَالًّا فِي جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحَوَارِيِّينَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْمَسِيحِ.

وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسِيحِ لَاهُوتَانِ: لَاهُوتُ الْكَلِمَةِ، وَلَاهُوتُ الرُّوحِ، فَيَكُونُ قَدِ اتَّحَدَ بِهِ أُقْنُومَانِ.

ثُمَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: ٨٧] ، يَمْتَنِعُ أَنْ يُرَادَ بِهَا حَيَاةُ اللَّهِ، فَإِنَّ حَيَاةَ اللَّهِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا تَقُومُ بِغَيْرِهِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ غَيْرَهُ، وَأَمَّا عِنْدَهُم فَالْمَسِيحُ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ، فَكَيْفَ يُؤَيَّدُ بِغَيْرِهِ، وَأَيْضًا فَالْمُتَّحِدُ بِالْمَسِيحِ هُوَ الْكَلِمَةُ دُونَ الْحَيَاةِ، فَلَا يَصِحُّ تَأْيِيدُهُ بِهَا.

فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّفُوا الْقُرْآنَ كَمَا حَرَّفُوا غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْمُتَشَابِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ - مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>