للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَذَا الْمَعْنَى وَاجِبَةٌ دُونَ الصِّفَاتِ، وَيُرَادُ بِهِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ فَإِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَخْلُوقَاتِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لِلْأَفْلَاكِ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا، فَيَجْعَلُونَهُ مَلْزُومًا لِمَفْعُولَاتِهِ، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ مَلْزُومَةً لِصِفَاتِهِ؟

وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ الْيُونَانِيُّونَ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْمَشَّائِينَ أَتْبَاعُ أَرِسْطُو صَاحِبِ التَّعَالِيمِ: الْمَنْطِقُ الطَّبِيعِيُّ، وَالرِّيَاضِيُّ، وَالْإِلَهِيُّ، يَقُولُونَ: إِنَّ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَادَّةِ فِي الذِّهْنِ وَالْخَارِجِ مِنَ الْجِسْمِ وَأَحْكَامِهِ.

وَالثَّانِي الرِّيَاضِيُّ: وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَادَّةِ فِي الْخَارِجِ لَا فِي الذِّهْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِدُ عَدَدًا وَلَا مِقْدَارًا فِي الْخَارِجِ إِلَّا فِي جِسْمٍ فِي الْخَارِجِ أَوْ عَرَضٍ مَعْدُودٍ، أَوْ مُقَدَّرٍ مُنْفَصِلٍ، بِخِلَافِ الذِّهْنِ، فَإِنَّهُ يُجَرِّدُ أَعْدَادًا وَمَقَادِيرَ مُجَرَّدَةً عَنِ الْمَعْدُودَاتِ وَالْمُقَدَّرَاتِ.

وَالثَّالِثُ: الَّذِي يُسَمُّونَهُ عِلْمَ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ بِاعْتِبَارِ السُّلُوكِ الْعِلْمِيِّ، وَهُوَ عِلْمُ مَا قَبْلَهَا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ، وَيُسَمُّونَهُ أَيْضًا الْعِلْمَ الْإِلَهِيَّ، وَمَوْضُوعُهُ عِنْدَهُمُ: الْمُجَرَّدُ عَنِ الْمَادَّةِ فِي الذِّهْنِ وَالْخَارِجِ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ، وَانْقِسَامُهُ إِلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، وَانْقِسَامُ الْجَوْهَرِ إِلَى جِسْمٍ وَغَيْرِ جِسْمٍ، وَانْقِسَامُ الْجِسْمِ إِلَى الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>