{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩] .
فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ وَمَاءٍ، فَصَارَ طِينًا، ثُمَّ أَيْبَسَ الطِّينُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ، وَهُوَ حِينَ نَفَخَ الرُّوحَ فِيهِ صَارَ بَشَرًا تَامًّا، لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ أَوْلَادُهُ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ، فَإِنَّ الْجَنِينَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ يَكْمُلُ خَلْقُ جَسَدِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَيَبْقَى فِي بَطْنِهَا نَحْوَ خَمْسَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ طِفْلًا يَرْتَضِعُ، ثُمَّ يَكْبَرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ خُلِقَ جَسَدُهُ قِيلَ لَهُ كُنْ فَكَانَ بَشَرًا تَامًّا بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمْ يُسَمَّ كَلِمَةَ اللَّهِ لِأَنَّ جَسَدَهُ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ وَبَقِيَ مُدَّةً طَوِيلَةً يُقَالُ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمْ يَكُنْ خَلْقُ جَسَدِهِ إِبْدَاعِيًّا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ،، بَلْ خُلِقَ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَخَلْقُ الْحَيَوَانِ مِنَ الطِّينِ مُعْتَادٌ فِي الْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَخُلِقَ جَسَدُهُ خَلْقًا إِبْدَاعِيًّا بِنَفْسِ نَفْخِ رُوحِ الْقُدُسِ فِي أُمِّهِ، قِيلَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ، فَكَانَ لَهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِكَوْنِهِ خُلِقَ بِكَلِمَةِ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ، وَمِنَ الْأَمْرِ الْمُعْتَادِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الِاسْمَ الْعَامَّ إِذَا كَانَ لَهُ نَوْعَانِ خَصَّتْ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ بِاسْمٍ، وَأَبْقَتْ الِاسْمَ الْعَامَّ مُخْتَصًّا بِالنَّوْعِ، كَلَفْظِ الدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَدِبُّ، وَكُلِّ حَيَوَانٍ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ لِلْآدَمِيِّ اسْمٌ يَخُصُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute