للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِنَّمَا سَمِعَ النَّاسُ صَوْتَهُ لَمْ يَسْمَعُوا غَيْرَ صَوْتِهِ، وَالْجِنِّيُّ إِذَا حَلَّ فِي الْإِنْسَانِ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ يَظْهَرُ لِلسَّامِعِينَ أَنَّ هَذَا الصَّوْتَ لَيْسَ هُوَ صَوْتَ الْآدَمِيِّ، وَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ يَعْلَمُ الْحَاضِرُونَ أَنَّهُ لَيْسَ كَلَامَ الْآدَمِيِّ.

وَالْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ يُسْمَعُ مِنْهُ إِلَّا مَا يُسْمَعُ مِنْ مِثْلِهِ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى لِسَانِ النَّاسُوتِ هُوَ جِنِّيًّا أَوْ مَلَكًا لَظَهَرَ ذَلِكَ، وَعُرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْبَشَرَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ هُوَ رَبَّ الْعَالَمِينَ؟ فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حَقًّا لَظَهَرَ ظُهُورًا أَعْظَمَ مِنْ ظُهُورِ كَلَامِ الْمَلَكِ وَالْجِنِّيِّ عَلَى لِسَانِ الْبَشَرِ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ.

وَأَمَّا مَا شَاهَدُوهُ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَدْ شَاهَدُوا مِنْ غَيْرِهِ مَا هُوَ مِثْلُهَا وَأَعْظَمُ مِنْهَا، وَقَدْ أَحْيَا غَيْرُهُ الْمَيِّتَ وَأَخْبَرَهُ بِالْغُيُوبِ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَمُعْجِزَاتُ مُوسَى أَعْظَمُ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ أَوْ أَكْثَرُ، وَظُهُورُ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى يَدَيْهِ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ، كَمَا دَلَّتِ الْمُعْجِزَاتُ عَلَى نُبُوَّةِ غَيْرِهِ، وَرِسَالَتِهِم، لَا تَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّةِ.

وَالدَّجَّالُ لَمَّا ادَّعَى الْإِلَهِيَّةَ لَمْ يَكُنْ مَا يَظْهَرُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْخَوَارِقِ دَلِيلًا عَلَيْهَا، لِأَنَّ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ مُمْتَنِعَةٌ، فَلَا يَكُونُ فِي ظُهُورِ الْعَجَائِبِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ الْمُمْتَنِعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>