للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ هُوَ نَظِيرُ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: (جَاءَ اللَّهُ مِن طُورِ سَيْنَا، وَأَشْرَفَ مِنْ سَاعِيرَ، وَاسْتَعْلَنَ مِن جِبَالِ فَارَانَ) .

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَالٌّ فِي مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَمُتَّحِدٌ بِهِ، وَلَا أَنَّهُ حَالٌّ فِي جَبَلِ فَارَانَ، وَلَا أَنَّهُ مُتَّحِدٌ بِشَيْءٍ مِنْ طُورِ سَيْنَا، وَلَا سَاعِيرَ.

وَكَذَلِكَ هَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَالٌّ فِي الْمَسِيحِ وَمُتَّحِدٌ بِهِ، إِذْ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ، وَإِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ قُرْبُهُ وَدُنُوُّهُ كَتَكْلِيمِ مُوسَى، وَظُهُورِ نُورِهِ وَهُدَاهُ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي وَقَعَت، قِيلَ: وَهَكَذَا فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقَوْلُهُ: وَيُظْهِرُ اللَّهُ ذِرَاعَهُ الطَّاهِرَ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُبَدَّدِينَ، قَدْ قَالَ فِي التَّوْرَاةِ مِثْلَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِهِ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنِ الْأُمَمِ الْمُبَدَّدِينَ: فَيَجْعَلُهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، فَهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الْمَسِيحَ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ مُبَدَّدِينَ فَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيُبَصِّرُونَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلَاصَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ يَمْشِي مَعَهُمْ وَبَيْنَ يَدَيْهِم، وَيَجْمَعُهُمْ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ، فَمِثْلُ هَذَا فِي التَّوْرَاةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِهِ بِمُوسَى وَلَا حُلُولِهِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ مِنَ التَّوْرَاةِ: يَقُولُ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَهَابُوهُم

<<  <  ج: ص:  >  >>