للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَاتَ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ، بَلْ مِثَالَهُ الْعِلْمِيَّ وَمَعْرِفَتَهُ وَذِكْرَهُ وَمَحَبَّتَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا يَرْجُو إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَخَافُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ فَيَفْنَى بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِطَاعَتِهِ عَنْ طَاعَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِمَحَبَّتِهِ عَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ.

فَمَا قِيلَ فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ هَذَا فَهُوَ حَقٌّ، لَكِنْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْمَسِيحِ بِهَذَا.

وَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرًا مَوْجُودًا فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِم، بَلْ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِهِم، وَلَا يُوجَدُ قَطُّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَاتَ اللَّهِ فِي قَلْبِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ - عُلِمَ أَنَّ النَّصَارَى تَرَكُوا الْمُحْكَمَ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَتَمَسَّكُوا بِالْمُتَشَابِهِ كَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الضُّلَّالِ، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمُ الْمَعْلُومُ بِالْقُلُوبِ الْمَذْكُورُ بِالْأَلْسُنِ بِالْمَوْجُودِ فِي نَفْسِهِ، فَظَنُّوا أَنَّ نَفْسَ الْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ هُوَ الْمَوْجُودُ الْعَيْنِيُّ، كَمَا يَظُنُّ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْغَالِطِينَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ تَارَةً، وَبِالِاتِّحَادِ أُخْرَى، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُلُولِ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ فِي الْقَلْبِ، وَبَيْنَ حُلُولِ الذَّاتِ الْمَعْلُومَةِ الْمَحْبُوبَةِ.

وَلِهَذَا يَعْتَقِدُ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ يُكَلِّمُونَ اللَّهَ، وَيُكَلِّمُهُم، وَيَقُولُ أَحَدُهُم: أَوْقَفَنِي، وَقَالَ لِي، وَقُلْتُ لَهُ. وَتَكُونُ مُخَاطَبَتُهُ وَمُنَاجَاتُهُ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>