للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ بِمِثْلِ هَذَا لِنُسَخِ أَيِّ كِتَابٍ كَانَ، فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ أَنَّ نُسَخَ الْكُتُبِ تَخْتَلِفُ وَيَزِيدُ بَعْضُهَا وَيَنْقُصُ بَعْضُهَا، وَالْقُرْآنُ الْمَنْقُولُ بِالتَّوَاتُرِ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِهِ عَلَى نُسَخِ الْمَصَاحِفِ، بَلْ الِاعْتِمَادُ عَلَى حِفْظِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ لَهُ فِي صُدُورِهِم.

وَلِهَذَا إِذَا وُجِدَ مُصْحَفٌ يُخَالِفُ حِفْظَ النَّاسِ أَصْلَحُوهُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَاحِفِ غَلَطٌ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ قَدْ قَيَّدَ النَّاسُ صُورَةَ الْخَطِّ وَرَسْمَهُ، وَصَارَ ذَلِكَ أَيْضًا مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ فَنَقَلُوا بِالتَّوَاتُرِ لَفْظَ الْقُرْآنِ حِفْظًا، وَنَقَلُوا رَسْمَ الْمَصَاحِفِ أَيْضًا بِالتَّوَاتُرِ.

وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي اتِّفَاقَ جَمِيعِ نُسَخِ الْمَصَاحِفِ كَمَا لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لَا يَغْلَطُ، بَلْ أَلْفَاظُهُ مَنْقُولَةٌ بِالتَّوَاتُرِ حِفْظًا وَرَسْمًا فَمَنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ غَلِطَ لِمُخَالَفَتِهِ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْكُتُبِ، فَإِنَّ النَّصَارَى لَمْ يَحْفَظُوهَا كُلَّهَا فِي قُلُوبِهِمْ تَلَقِيًّا لَهَا عَنِ الْحَوَارِيِّينَ حِفْظًا مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ، بَلْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَحْفَظُهَا كُلَّهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْفَظَهَا كُلَّهَا أَهْلُ التَّوَاتُرِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْفَظَ كُلَّ لِسَانٍ مِنْهَا مَنْ تَوَاتَرَ بِهِمْ ذَلِكَ اللِّسَانُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>