وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّهُ الَّذِي خَلَقَهُ، وَعَامَّةُ مَا عِنْدَ النَّصَارَى مِنَ الْغُلُوِّ أَنْ يَقُولُوا: إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، وَيَجْعَلُونَهُ خَالِقًا، أَمَّا أَنْ يَجْعَلُوهُ أَحَقَّ مِنَ الْأَبِ بِكَوْنِهِ رَبَّ دَاوُدَ، فَهَذَا لَمْ يَقُولُوهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا ذِكْرُ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ، غَايَتُهُ لَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلُوهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ذِكْرُ الِابْنِ، وَأَمَّا الْأَقَانِيمُ الثَّلَاثَةُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي بِأَيْدِيهِم، فَضْلًا عَنِ الْقُرْآنِ لَا بِلَفْظِهَا وَلَا مَعْنَاهَا، بَلِ ابْتَدَعُوا لَفْظَ الْأُقْنُومِ، وَعَبَّرُوا بِهِ عَمَّا جَعَلُوهُ مَدْلُولَ كُتُبِ اللَّهِ، وَهِيَ لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَكَانُوا فِي ذَلِكَ مُتَرْجِمِينَ لِكَلَامِ اللَّهِ، وَهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهُ، وَلَا عَبَّرُوا عَنْهُ بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَالَ: لِرَبِّي، وَهَذَا يُرَادُ بِهِ السَّيِّدُ، كَمَا قَالَ يُوسُفُ:
{إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: ٢٣] .
وَقَالَ لِغُلَامِ الْمَلِكِ:
{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢] .
وَقَالَ تَعَالَى:
{فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: ٤٢] .
وَلِهَذَا ذُكِرَ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا وَالثَّانِي مُقَيَّدًا، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَقَالَ اللَّهُ لِسَيِّدِي: قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِسَيِّدِي، وَسَمَّاهُ سَيِّدًا تَوَاضُعًا مِن دَاوُدَ وَتَعْظِيمًا لَهُ، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute