الصِّفَاتِ لَا فِي الذَّاتِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَّحِدَ صِفَةٌ دُونَ أُخْرَى، وَلَا دُونَ الذَّاتِ فَيَمْتَنِعُ اتِّحَادُ أُقْنُومٍ وَحُلُولُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ دُونَ الْأُقْنُومِ الْآخَرِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُم: وَهُوَ الَّذِي نَقُولُهُ: أَبٌ، وَابْنٌ، وَرُوحُ الْقُدُسِ، قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوهُ ابْتِدَاءً، وَلَا عَلِمُوا بِالْعَقْلِ التَّثْلِيثَ الَّذِي قَالُوهُ فِي أَمَانَتِهِم، ثُمَّ عَبَّرُوا عَنْهُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، بَلْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَنْقُولَةٌ عِنْدَهُمْ فِي بَعْضِ الْأَنَاجِيلِ: أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ أَنْ يُعَمِّدُوا النَّاسَ بِهَا، وَحِينَئِذٍ، فَالْوَاجِبُ إِذَا كَانَ الْمَسِيحُ قَالَهَا أَنْ يُنْظَرَ مَا أَرَادَ بِهَا، وَيُنْظَرَ سَائِرُ أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهَا فَيُفَسَّرَ كَلَامُهُ، بِلُغَتِهِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا تَفْسِيرًا يُنَاسِبُ سَائِرَ كَلَامِهِ.
وَهَؤُلَاءِ حَمَلُوا كَلَامَ الْمَسِيحِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُم، بَلْ يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ فَسَمَّوْا كَلَامَ اللَّهِ أَوْ عِلْمَهُ أَوْ حِكْمَتَهُ أَوْ نُطْقَهُ - ابْنًا، وَهَذِهِ تَسْمِيَةٌ ابْتَدَعُوهَا لَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِاسْمِ الِابْنِ، وَلَا بَاسْمِ الرَّبِّ، وَلَا بَاسْمِ الْإِلَهِ، ثُمَّ لَمَّا أَحْدَثُوا هَذِهِ التَّسْمِيَةَ قَالُوا: مُرَادُ الْمَسِيحِ بِالِابْنِ هُوَ الْكَلِمَةُ، وَهَذَا افْتِرَاءٌ عَلَى الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحَمْلٌ لِكَلَامِهِ عَلَى مَعْنًى لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute