للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَصَوْتِ سَائِرِ النَّاسِ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْهُمْ بِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ كَمَا سَمِعَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ.

الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّ الْجِنِّيَّ إِذَا حَلَّ فِي الْإِنْسِيِّ كَمَا يَحِلُّ فِي الْمَصْرُوعِ وَيَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ، فَإِنَّهُ يَتَغَيَّرُ الْكَلَامُ، وَيَعْرِفُ الْحَاضِرُونَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ الْإِنْسِيِّ مَعَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْإِنْسِيِّ، وَحَرَكَةِ أَعْضَائِهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ الصَّوْتَ حَصَلَ بِحَرَكَةِ بَدَنِ الْإِنْسِيِّ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا خَالَفَ بِهِ الْمَعْهُودَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِيِّ، وَالْإِنْسَانُ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الْجِنِّيُّ يَغِيبُ عَنْهُ عَقْلُهُ وَلَا يَشْعُرُ بِمَا تَكَلَّمَ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِهِ، فَرَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَوْ حَلَّ فِي بَشَرٍ وَاتَّحَدَ بِهِ وَتَكَلَّمَ بِكَلَامِهِ، وَكَانَ الْكَلَامُ الْمَسْمُوعُ كَلَامَ اللَّهِ الْمَسْمُوعَ مِنْهُ، لَكَانَ يَظْهَرُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَعْهُودِ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِيِّ مَا هُوَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَكَانَ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْإِنْسِيِّ غَايَةَ التَّغَيُّرِ، فَإِنَّ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا تَجَلَّى لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، فَإِذَا كَانَ الْبَدَنُ الْإِنْسِيُّ لَا يَثْبُتُ لِتَجَلِّيهِ لِلْجَبَلِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ لِحُلُولِهِ فِيهِ وَتَكَلُّمِهِ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِي الْبَدَنِ؟

وَقَدْ كَانَ الْوَحْيُ وَالْمَلَائِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فِي بَاطِنِهِمْ يَظْهَرُ التَّغَيُّرُ فِي أَبْدَانِهِمْ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ ثَقُلَ حَتَّى يَبْرُكَ بِهِ الْبَعِيرُ، وَإِنْ كَانَ فَخِذُهُ عَلَى أَحَدٍ ثَقُلَ حَتَّى كَادَ يَرُضُّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>