للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَدِيدَةَ إِذَا أُدْخِلَتِ النَّارَ حَتَّى صَارَتْ بَيْضَاءَ كَالنَّارِ الْبَيْضَاءِ فَفِعْلُهَا فِعْلٌ وَاحِدٌ، لَيْسَ لَهَا فِعْلَانِ مُتَمَيِّزَانِ: أَحَدُهُمَا بِالْحَدِيدِ، وَالْآخَرُ بِالنَّارِ، بَلْ فِيهَا قُوَّةُ الْحَدِيدِ وَقُوَّةُ النَّارِ، بَلْ فِيهَا قُوَّةٌ ثَالِثَةٌ لَيْسَتْ قُوَّةَ الْحَدِيدِ وَلَا قُوَّةَ النَّارِ، إِذْ لَيْسَتْ حَدِيدًا مَحْضًا وَلَا نَارًا مَحْضًا.

وَكَذَلِكَ الْمَاءُ إِذَا اخْتَلَطَ بِاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ، فَالْمُتَّحِدُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، فِعْلُهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ، مِنْهُ مَا لَيْسَ مَاءً مَحْضًا وَلَا لَبَنًا مَحْضًا، لَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ لَهُ فِعْلَيْنِ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فِعْلٌ بِكَوْنِهِ لَبَنًا مَحْضًا، وَفِعْلٌ بِكَوْنِهِ مَاءً مَحْضًا، فَقَوْلُهُمْ بِالِاتِّحَادِ يُوجِبُ اسْتِحَالَةَ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ، وَأَنْ يَصِيرَ فِعْلُ الْمُتَّحِدِ شَيْئًا وَاحِدًا.

وَإِنْ كَانَ اللَّاهُوتُ لَمْ يَتَّحِدْ بِهِ فَهُمَا اثْنَانِ شَخْصَانِ وَجَوْهَرَانِ وَطَبِيعَتَانِ وَمَشِيئَتَانِ، وَلَيْسَ هَذَا دِينُ النَّصَارَى مَعَ أَنَّ حُلُولَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْبَشَرِ مُمْتَنِعٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ.

وَكَذَلِكَ إِذَا مَثَّلُوهُ بِالنَّفْسِ مَعَ الْبَدَنِ، فَإِنَّ النَّفْسَ تَتَغَيَّرُ صِفَاتُهَا بِمُفَارَقَةِ الْبَدَنِ، وَكَذَلِكَ الْبَدَنُ تَتَغَيَّرُ صِفَاتُهُ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لَهُ.

وَالْإِنْسَانُ الَّذِي نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ فَصَارَتْ بَدَنًا فِيهِ الرُّوحُ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>