للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ الْمَسِيحَ عَبَدٌ لَيْسَ بِإِلَهٍ، وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ كَمَا خُلِقَ آدَمَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يُبَاهِلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِلَهٌ، فَيَدْعُو كُلٌّ مِنَ الْمُتَبَاهِلَيْنِ أَبْنَاءَهُ وَنِسَاءَهُ وَقَرِيبَهُ الْمُخْتَصَّ بِهِ، ثُمَّ يَبْتَهِلُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَيَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَعْنَتَهُ عَلَى الْكَاذِبِينَ، فَإِنْ كَانَ النَّصَارَى كَاذِبِينَ فِي قَوْلِهِمْ: هُوَ اللَّهُ، حَقَّتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَنْ قَالَ: لَيْسَ هُوَ اللَّهَ بَلْ عَبْدُ اللَّهِ، كَاذِبًا، حَقَّتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ، وَهَذَا إِنْصَافٌ مِنْ صَاحِبِ يَقِينٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ.

وَالنَّصَارَى لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، نَكَلُوا عَنِ الْمُبَاهَلَةِ، وَقَدْ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ:

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ٦٢]

تَكْذِيبًا لِلنَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ: هُوَ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْمَسِيحَ فِيهِ لَاهُوتٌ وَنَاسُوتٌ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ النَّاسُوتُ فَقَطْ دُونَ اللَّاهُوتِ؟ وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ، قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: ٥٩]

فَأَعْنَى بِقَوْلِهِ: عِيسَى، إِشَارَةً إِلَى الْبَشَرِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَرْيَمَ الطَّاهِرَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا اسْمَ الْمَسِيحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>