للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَوْتِهِ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَمُتْ بَعْدُ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ صُلِبَ نَاسُوتُهُ دُونَ لَاهُوتِهِ بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

فَإِنَّ نَاسُوتَهُ لَمْ يُصْلَبْ، وَلَيْسَ فِيهِ لَاهُوتٌ، وَهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ دَعْوًى مُجَرَّدَةً فَيُكْتَفَى فِي مُقَابَلَتِهَا بِالْمَنْعِ.

لَكِنْ نَقُولُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنَّهُمْ فِي اتِّحَادِ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ يُشَبِّهُونَهُ تَارَةً بِاتِّحَادِ الْمَاءِ بِاللَّبَنِ، وَهَذَا تَشْبِيهُ الْيَعْقُوبِيَّةِ، وَتَارَةً بِاتِّحَادِ النَّارِ بِالْحَدِيدِ أَوِ النَّفْسِ بِالْجِسْمِ، وَهَذَا تَشْبِيهُ الْمَلِكَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى الْمَاءِ شَيْءٌ إِلَّا وَصَلَ إِلَى اللَّبَنِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ النَّارُ الَّتِي فِي الْحَدِيدِ مَتَى طُرِقَ الْحَدِيدُ أَوْ بُصِقَ عَلَيْهِ لَحِقَ ذَلِكَ بِالنَّارِ الَّتِي فِيهِ، وَالْبَدَنُ إِذَا ضُرِبَ وَعُذِّبَ لَحِقَ أَلَمُ الضَّرْبِ وَالْعَذَابِ بِالنَّفْسِ، فَكَأَنَّ حَقِيقَةَ تَمْثِيلِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ اللَّاهُوتَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ النَّاسُوتَ مِنْ إِهَانَةِ الْيَهُودِ وَتَعْذِيبِهِمْ لَهُ وَإِيلَامِهِمْ لَهُ وَالصَّلْبِ الَّذِي ادَّعَوْهُ

وَهَذَا لَازَمٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ، فَإِنَّ الِاتِّحَادَ لَوْ كَانَ مَا يُصِيبُ أَحَدَهُمَا لَا يُشْرِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ هُنَا اتِّحَادٌ بَلْ تَعَدُّدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>