للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْ يَكُونَ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَقْهُورًا مَأْسُورًا مَعَ قَوْمٍ مِنْ شِرَارِ الْيَهُودِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالتَّنَقُّصِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا، وَأَنَّهُ بَخِيلٌ، وَأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَسُبُّ بِهِ الْكُفَّارُ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

وَإِنْ قَالُوا: كَانَ قَادِرًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عُدْوَانِ الْكُفَّارِ عَلَى نَاسُوتِهِ وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ، فَسُنَّةُ اللَّهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ نَصْرُ رُسُلِهِ الْمُسْتَغِيثِينَ بِهِ، فَكَيْفَ لَمْ يُغِثْ نَاسُوتَهُ الْمُسْتَصْرِخَ بِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ قُتِلَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَهُوَ صَابِرٌ، فَإِنَّ أُولَئِكَ صَبَرُوا حَتَّى قُتِلُوا شُهَدَاءَ، وَالنَّاسُوتُ عِنْدَهُمُ اسْتَغَاثَ وَقَالَ: " إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي "، وَإِنْ كَانَ هُوَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَكْرًا، كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَكَرَ بِالشَّيْطَانِ وَأَخْفَى نَفْسَهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ بِوَجْهِ حَقٍّ، فَنَاسُوتُهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَجْزَعَ وَلَا يَهْرُبَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ، وَهُمْ يَذْكُرُونَ مِنْ جَزَعِ النَّاسُوتِ وَهَرَبِهِ وَدُعَائِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَشِيئَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، فَكَيْفَ شَاءَ ذَلِكَ وَهَرَبَ مِمَّا يَكْرَهُهُ النَّاسُوتُ؟ بَلْ لَوْ يَشَاءُ اللَّاهُوتُ مَا يَكْرَهُهُ كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ، وَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى الْمَكْرِ بِالْعَدُوِّ وَلَمْ يَجْزَعِ النَّاسُوتُ، كَمَا جَرَى لِيُوسُفَ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>