للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ رَسُولُهُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَقُولُوا ثَلَاثَةً، وَقَالَ: {انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: ١٧١] ، {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: ١٧١] ، وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ أَنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ، مِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١٧١] ، فَنَزَّهَ نَفْسَهُ وَعَظَّمَهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ كَمَا تَقُولُهُ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النساء: ١٧١] فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: ١٧٢] أَيْ: لَنْ يَسْتَنْكِفُوا أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَمَعَ هَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ، هَلْ يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَلِمَتُهُ) أَنَّهُ إِلَهٌ خَالِقٌ؟ أَوْ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ؟ وَأَنَّ قَوْلَهُ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١] الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حَيَاتُهُ، أَوْ رُوحُهُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ ذَاتِهِ؟

ثُمَّ نَقُولُ أَيْضًا: أَمَّا قَوْلُهُ (وَكَلِمَتُهُ) فَقَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِـ (كُنْ) وَفِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ أَنْ يُسَمَّى الْمَفْعُولُ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، فَيُسَمَّى الْمَخْلُوقُ خَلْقًا لِقَوْلِهِ: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ، وَيُقَالُ: دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ، أَيْ: مَضْرُوبُ الْأَمِيرِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْرًا، وَالْمَقْدُورُ قُدْرَةً وَقَدَرًا، وَالْمَعْلُومُ عِلْمًا، وَالْمَرْحُومُ بِهِ رَحْمَةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: ٣٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>