للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: آيَاتُ الْمُجَادَلَةِ وَالْمُحَاجَّةِ لِلْكُفَّارِ مَنْسُوخَاتٌ بِآيَةِ السَّيْفِ ; لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ الْمَشْرُوعِ يُنَافِي الْمُجَادَلَةَ الْمَشْرُوعَةَ وَهَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ النَّاسِخُ مُنَاقِضًا لِلْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ، كَمُنَاقَضَةِ الْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الصَّلَاةِ لِلْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالشَّامِ، وَمُنَاقَضَةِ الْأَمْرِ بِصِيَامِ رَمَضَانَ لِلْمُقِيمِ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَبَيْنَ إِطْعَامِ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَمُنَاقَضَةِ نَهْيِهِ عَنْ تَعَدِّي الْحُدُودِ الَّتِي فَرَضَهَا لِلْوَرَثَةِ لِلْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَمُنَاقَضَةِ قَوْلِهِ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ عَنِ الْقِتَالِ لِقَوْلِهِ: قَاتِلُوهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء: ٧٧] .

فَأَمْرُهُ لَهُمْ بِالْقِتَالِ نَاسِخٌ لِأَمْرِهِ لَهُمْ بِكَفِّ أَيْدِيهِمْ عَنْهُمْ، فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥] .

وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: ٤٦] .

<<  <  ج: ص:  >  >>