للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا مُنْبَثِقَةٌ، فَالْكَلِمَةُ مُنْبَثِقَةٌ.

وَأَيْضًا فَكَوْنُ الصِّفَةِ إِلَهًا خَالِقًا، وَإِثْبَاتُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ خَالِقِينَ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْخَالِقَ وَاحِدٌ - تَنَاقُضٌ آخَرُ.

وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ بِلَا كَلِمَتِهِ وَلَا رُوحِهِ قَطُّ) إِنْ أَرَادَ بِرُوحِهِ حَيَاتَهُ، فَهَذَا صَحِيحٌ، لَكِنْ مَنْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سَمَّى حَيَاةَ اللَّهِ رُوحَهُ؟ وَمَنِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهَ رُوحًا قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا افْتِرَاءٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟

وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ هَذَا نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ ; لِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، فَهُمُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِرُوحِ اللَّهِ وَرُوحِ الْقُدُسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُرِدْ أَحَدٌ بِذَلِكَ حَيَاةَ اللَّهِ قَطُّ.

فَتَسْمِيَةُ حَيَاةِ اللَّهِ رُوحًا، وَتَفْسِيرُ مُرَادِ الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ - افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَرُسُلِهِ.

الْوَجْهُ الثَّامِنُ: قَوْلُهُ (فَهَبَطَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ الْخَالِقَةُ بِقِوَامِهَا الْقَائِمِ الدَّائِمِ الثَّابِتِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزُولُ، فَالْتَحَمَتْ مِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ، وَهِيَ جَارِيَةٌ طَاهِرَةٌ، مُخْتَارَةٌ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، اصْطَفَاهَا اللَّهُ لِهَذَا التَّدْبِيرِ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَطَهَّرَهَا بِرُوحِ الْقُدُسِ، رُوحِهِ الْجَوْهَرِيَّةِ، الَّتِي جَعَلَهَا أَهْلًا لِحُلُولِ كَلِمَةِ اللَّهِ الْجَوْهَرِيَّةِ بِهَا، فَاحْتَجَبَتِ الْكَلِمَةُ الْخَالِقَةُ بِإِنْسَانٍ مَخْلُوقٍ خَلَقَتْهُ لِنَفْسِهَا بِمَسَرَّةِ الْأَبِ وَمُؤَازَرَةِ رُوحِ الْقُدُسِ خَلْقًا جَدِيدًا) .

فَيُقَالُ: إِنَّ الْكُتُبَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ تَجَسَّدَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ، وَمِنْ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، وَهَكَذَا هُوَ فِي الْأَمَانَةِ الَّتِي لَهُمْ، وَبِهَذَا أَخْبَرَ الْقُرْآنُ حَيْثُ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، أَنَّهُ نَفَخَ فِي مَرْيَمَ مِنْ رُوحِهِ مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهَا رُوحَهُ.

قَالَ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>