للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى زَوْجَتِهِ أَعْظَمُ مِنْهُ عَلَى أُمِّهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مَالِكٌ لِلزَّوْجَةِ، قَوَّامٌ عَلَيْهَا، وَالْمَرْأَةَ أَسِيرَةٌ عِنْدَ زَوْجِهَا، بِخِلَافِ أُمِّهِ.

فَإِذَا جَعَلْتُمُ اللَّاهُوتَ الْخَالِقَ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ ابْنًا لِنَاسُوتِ مَرْيَمَ بِحُكْمِ الِاتِّحَادِ مَعَ كَوْنِهِ خَالِقًا لَهَا بِلَاهُوتِهِ وَابْنًا لَهَا بِنَاسُوتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُمْتَنِعًا عِنْدَكُمْ وَلَا قَبِيحًا، فَأَنْ تَكُونَ مَرْيَمُ صَاحِبَةً لَهُ وَزَوْجَةً وَامْرَأَةً بِحُكْمِ الِالْتِحَامِ بِالنَّاسُوتِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

وَإِنْ كَانَ هَذَا مُمْتَنِعًا وَقَبِيحًا، فَذَاكَ أَشَدُّ امْتِنَاعًا وَقُبْحًا.

وَلِهَذَا ذَهَبَ طَوَائِفُ مِنَ النَّصَارَى إِلَى أَنَّ مَرْيَمَ امْرَأَةُ اللَّهِ وَزَوْجَتُهُ، وَقَالُوا أَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى ذَكَرُوا شَهْوَتَهُ لِلنِّكَاحِ.

وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ عُقَلَاءِ الْمُلُوكِ مِمَّنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَبَّهُوا عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، لَمْ يُفْهَمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحْبَلَ أُمَّهُ وَوَلَدَتْ لَهُ الْمَسِيحَ ابْنَهُ، كَمَا يُحْبِلُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَتَلِدُ لَهُ الْوَلَدَ، فَيَكُونُ قَدِ انْفَصَلَ مِنَ اللَّهِ جُزْءٌ فِي مَرْيَمَ بَعْدَ أَنْ نَكَحَهَا، وَذَلِكَ الْجُزْءُ الَّذِي مِنَ اللَّهِ وَمِنْ مَرْيَمَ وَلَدَتْهُ مَرْيَمُ كَمَا تَلِدُ الْمَرْأَةُ الْوَلَدَ الَّذِي مِنْهَا وَمِنْ زَوْجِهَا، وَقَدْ قَالَتِ الْجِنُّ الْمُؤْمِنُونَ: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الجن: ٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>