للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ هَذَا التَّمْثِيلُ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الشُّعَاعَ لَيْسَ مُتَوَلِّدًا مِنْ جِرْمِ الشَّمْسِ، وَلَا شُعَاعُ النَّارِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ جِرْمِ النَّارِ، بَلْ هُوَ حَادِثٌ بَائِنٌ عَنْ جِرْمِ الشَّمْسِ، وَلَكِنَّهَا سَبَبٌ فِي حُصُولِهِ.

وَلِهَذَا يُشَبَّهُ بِهِ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ فِي قَلْبِ الْمُتَعَلِّمِ بِسَبَبِ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَاتِ عِلْمِ الْعَالِمِ.

وَلِهَذَا يُشَبَّهُ عِلْمُ الْعَالِمِ بِالسِّرَاجِ الَّذِي يَقْتَبِسُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ نُورِهِ، وَهُوَ لَمْ يَنْقُصْ.

بِخِلَافِ تَوَلُّدِ الْمَوْلُودِ عَنْ وَالِدِهِ، فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ عَيْنِهِ.

وَالشُّعَاعُ الْقَائِمُ بِالْهَوَاءِ وَالْأَرْضِ، لَيْسَ هُوَ قَائِمًا بِذَاتِ الشَّمْسِ وَالنَّارِ، بَلْ هُوَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِمَحَلٍّ آخَرَ، وَالْعَرَضُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ فِي مَحَلَّيْنِ.

وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ: إِنَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي هِيَ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ حِكْمَتُهُ، مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهُ، وَهِيَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، وَالصِّفَةُ قَائِمَةٌ بِالْمَوْصُوفِ، فَالصِّفَةُ مِثْلُ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الشَّمْسِ مِنِ اسْتِدَارَةٍ وَضَوْءٍ، فَذَاكَ صِفَةٌ لَهَا، وَهُوَ غَيْرُ الشُّعَاعِ الْقَائِمِ بِالْهَوَاءِ، فَإِنَّ ذَاكَ بَائِنٌ عَنْهَا، فَكَيْفَ يُجْعَلُ هَذَا هُوَ هَذَا.

فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ مَقْصُودُنَا أَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ وَعِلْمَهُ وَنُورَهُ أَنْزَلَهُ إِلَى الْمَسِيحِ وَأَفَاضَهُ عَلَى الْمَسِيحِ، كَمَا يَفِيضُ الشُّعَاعُ عَنِ الشَّمْسِ.

قِيلَ لَهُمْ: فَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَسِيحِ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْمَسِيحِ بِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>