للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ خُلْطَةُ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ، قَدْ صَارَتْ لَا خَلًّا وَلَا عَسَلًا ; لِاحْتِيَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَخُلْطَةُ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ صَارَتْ عَلَى غَيْرِ صِحَّةٍ لَا مِنَ الذَّهَبِ وَلَا مِنَ الْوَرِقِ، وَخُلْطَةُ الْوَرِقِ وَالنُّحَاسِ عَلَى غَيْرِ صِحَّةٍ، لَا مِنَ الْوَرِقِ وَلَا مِنَ النُّحَاسِ، فَهَذَا وَجْهٌ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: خُلْطَةُ افْتِرَاقٍ مِنَ الطَّبِيعَتَيْنِ الثَّقِيلَتَيْنِ، وَقَدْ تُعْرَفُ مِنْ تِلْكَ الْخُلْطَةِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّبِيعَتَيْنِ ثَابِتَةً فِي الْأُخْرَى بِقِوَامِهَا وَوَجْهِهَا، مِثْلَ الزَّيْتِ وَالْمَاءِ فِي قِنْدِيلٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلَ الْكَتَّانِ وَالْقَزِّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَنْسُوجٍ بِكَتَّانٍ مُضَلَّعٍ بِقَزٍّ، وَمِثْلَ صَنَمٍ نُحَاسٍ رَأْسُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى خُلْطَةً مَعَ افْتِرَاقِ الطَّبِيعَتَيْنِ وَالْقِوَامَيْنِ، مِثْلَ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْقُلَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا خُلْطَةٌ ; لِأَنَّ طَبِيعَةَ الْقُلَّةِ فَخَّارٌ، قِوَامُهَا قُلَّةٌ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَاءِ خُلْطَةٌ، بَلْ أَشَدُّ الْفُرْقَةِ.

وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَالزَّيْتُ، لَوْلَا أَنَّ وِعَاءَ الْقِنْدِيلِ الَّذِي هُمَا فِيهِ ضَمَّهُمَا مَا اجْتَمَعَا.

وَكَذَلِكَ الْكَتَّانُ وَالْقَزُّ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ، وَإِنْ كَانَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا بَيْنَ الذَّهَبِ وَالنُّحَاسِ وَلَمْ يُسْبَكَا خُلْطَةٌ، وَإِنْ جَمَعَهَا صَنَمٌ وَاحِدٌ.

فَهَاتَانِ الْخُلْطَتَانِ لَا تَكُونَا أَبَدًا إِلَّا فِي أَثْقَالِ جُسْمَانِيَّاتٍ غَلِيظَةٍ.

فَإِنِ الْتَحَمَ بَعْضُهُمَا بِبَعْضٍ مِثْلَمَا يُذَابُ الذَّهَبُ وَالنُّحَاسُ وَيُفْرَغَانِ جَمِيعًا، وَقَعَتْ فِي وَجْهِ خُلْطَةِ الِاحْتِيَالِ وَالْفَسَادِ ; لِأَنَّ تِلْكَ النُّقْرَةَ لَيْسَتْ بِذَهَبٍ صَحِيحٍ، وَلَا بِنُحَاسٍ صَحِيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>