للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَمِيعُ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْأَذْهَانِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْأَذْهَانِ، لَا تَقُومُ إِلَّا بِهَا، وَالشُّعَاعُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَحَلِّهِ، لَا يَقُومُ إِلَّا بِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ النَّظَائِرِ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ شَابَهُوا النَّصَارَى وَزَادُوا عَلَيْهِمْ مِنَ الْكُفْرِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ وُجُودُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَإِنَّهُ قَائِمٌ بِأَعْيَانِ الْمُمْكِنَاتِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْأَعْيَانِ فِي وُجُودِهِ، وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ فِي ثَبَاتِهَا، فَيَجْعَلُونَ الْخَالِقَ مُحْتَاجًا إِلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَالْمَخْلُوقَ مُحْتَاجًا إِلَى الْخَالِقِ، وَيُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ، كَمَا يُصَرِّحُ بَعْضُ النَّصَارَى، بِأَنَّ اللَّاهُوتَ مُحْتَاجٌ إِلَى النَّاسُوتِ، وَالنَّاسُوتَ مُحْتَاجٌ إِلَى اللَّاهُوتِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَكُلَّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَهُوَ الصَّمَدُ الْمُسْتَغْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ.

فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَخْلُوقٍ بِوَجْهٍ مَا، فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ كَافِرٌ، فَكَيْفَ بِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ؟

وَالْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبُوهُ لَهُ، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، وَغَيْرُهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، كَالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ النَّصَارَى لَهُ، لَمَّا مَثَّلُوهُ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ مَعَ مَحَلِّهِ، فَإِنَّ مَحَلَّ الشُّعَاعِ مُسْتَغْنٍ عَنِ الشُّعَاعِ، وَالشُّعَاعَ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَحَلِّهِ.

فَمُقْتَضَى هَذَا التَّمْثِيلِ، أَنَّ الْإِلَهَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَالْإِنْسَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>