للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسِدَةٍ، قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَقَالُوا: إِنَّهُ إِنَّمَا تَحَرَّكَ الْفَلَكُ مِنْ جِهَةِ نِسْبَةِ الْفَلَكِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْقَادِرَ عَلَى تَحْرِيكِ الْفَلَكِ، بَلْ وَلَا شُعُورَ مِنْهُ بِالْفَلَكِ. وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ الْفَيْلَسُوفُ وَأَمْثَالُهُ؛ فَقَالُوا: إِنَّهُ يَأْمُرُ الْفَلَكَ بِالْحَرَكَةِ وَقِوَامُ الْفَلَكِ بِطَاعَتِهِ لِأَمْرِ اللَّهِ. مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا إِرَادَةَ لَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، بَلْ كَوْنُهُ آمِرًا وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِ الْفَلَكِ يَتَشَبَّهُ بِهِ، كَمَا يَأْمُرُ الْمَعْشُوقُ عَاشِقَهُ أَنْ يُحِبَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْشُوقُ لَا شُعُورَ لَهُ وَلَا إِرَادَةَ فِي أَنْ يُحِبَّهُ ذَلِكَ.

ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ هُوَ الْآمِرُ؛ فَإِنَّمَا يَصْدُرُ بِسَبَبِ أَمْرِهِ، مُجَرَّدُ حَرَكَةِ الْفَلَكِ؛ وَلِهَذَا شَبَّهُوا ذَلِكَ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ لِعَسْكَرِهِ بِأَمْرٍ يُطِيعُونَهُ فِيهِ، فَجَعَلُوا الْحَرَكَاتِ مَعْلُولَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لَمْ يُثْبِتُوا أَنَّهُ أَبْدَعَ شَيْئًا مِنَ الْأَفْلَاكِ وَالْعَنَاصِرِ وَالْمُوَلَّدَاتِ وَلَا الْعُقُولَ وَلَا النُّفُوسَ، لَا أَبْدَعَ أَعْيَانَهَا وَلَا صِفَاتِهَا، وَلَا أَفْعَالَهَا، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ آمِرًا لَهَا بِالْحَرَكَةِ؛ كَأَمْرِ الْمَلِكِ لِعَسْكَرِهِ، مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ آمِرًا بِالْحَقِيقَةِ، بَلْ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، بَلْ غَايَةُ مَا يَزْعُمُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ أَنَّ لِلْفَلَكِ حَاجَةً إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ تَشَبُّهِهِ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ هُوَ عِلِّيَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْفَلَكِ، فَإِنَّمَا يَقُولُ هَذَا مَنْ يَقُولُهُ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَابْنِ سِينَا.

وَأَمَّا الْفَارَابِيُّ؛ فَهُوَ الَّذِي وَسَّعَ الْقَوْلَ فِي هَذَا الْبَابِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>