للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِمْ مَنْ عَظَّمَ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةَ، وَلَا اسْتَعَانَ بِهِمْ، وَلَا الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، بَلْ وَهُمْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ وَرُءُوسِ الضَّلَالِ، وَكَذَلِكَ مُوسَى وَأَتْبَاعُهُ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ وَأَتْبَاعُهُ، فَلَيْسَ فِي رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَلَا فِي أَتْبَاعِهِمْ مَنْ يُعَظِّمُهُمْ وَلَا يَسْتَعِينُ بِكَلَامِهِمْ، بَلِ الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَضْلِيلِهِمْ وَتَجْهِيلِهِمْ.

وَأَمَّا الْعَقْلِيَّاتُ: فَإِنَّمَا يُعَظِّمُ كَلَامَ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ فِي الْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ؛ إِذْ كَانَ كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ، فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ مَا لَا يُحِيطُ بِهِ إِلَّا ذُو الْجَلَالِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْمُ يَعْرِفُونَ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنَ الطَّبِيعِيَّاتِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ كَالْهَنْدَسَةِ وَبَعْضِ الْهَيْئَةِ وَشَيْئًا مِنْ عُلُومِ الْأَخْلَاقِ وَالسِّيَاسَاتِ الْمَدَنِيَّةِ وَالْمَنْزِلِيَّةِ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالسِّيَاسَاتِ، فَضْلًا عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ.

فَاعْتِضَادُ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى هَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةَ يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ جَهْلِهِمْ بِالشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، وَهَذَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ؛ إِذْ كَانَ الرَّدُّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ لَا يُخْتَصُّ بِهِ النَّصَارَى، بَلِ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ مَعَهُمْ وَمَعَ مَنْ يُعَظِّمُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ عُمُومًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>