للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا قَوْلَ النَّصَارَى، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: " إِنَّ الرَّبَّ جَوْهَرٌ " وَفِي قَوْلِهِمْ: " إِنَّ مِنَ الْجَوَاهِرِ مَا لَا يَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ " مُوَافِقُونَ لِلْمُشْرِكِينَ الْفَلَاسِفَةِ، أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، لَا مُوَافِقِينَ لِلْمَسِيحِ وَالْحَوَارِيِّينَ، وَأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ لِلَّهِ مُوَافَقَةً لِلْمَسِيحِ وَالْحَوَارِيِّينَ ثُمَّ جَعَلُوهُ جَوْهَرًا، ثُمَّ قَالُوا: " إِنَّ الْجَوْهَرَ اللَّطِيفَ لَا تَقُومُ بِهِ الصِّفَاتُ " وَهَذَا قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ الْمُشْرِكِينَ الْمُعَطِّلِينَ، وَهَذَا تَحْقِيقُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ رَكَّبُوا دِينًا مِنْ دِينِ الْمَسِيحِ وَالْحَوَارِيِّينَ وَمِنْ دِينِ الْكُفَّارِ الْمُشْرِكِينَ.

فَهَؤُلَاءِ إِنْ عَنَوْا بِالْعَرَضِ هَذَا فَكُلُّ جَوْهَرٍ يَقْبَلُ الصِّفَاتِ، وَإِنْ أَرَادُوا بِالْعَرَضِ مَا تَعْنِيهِ الْمُتَفَلْسِفَةُ بِالصِّفَاتِ الْعَرَضِيَّةِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذَّاتِيَّةِ - مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ - فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ تَقْسِيمَ هَؤُلَاءِ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةَ لِلْمَوْصُوفِ إِلَى ذَاتِيَّةٍ وَعَرَضِيَّةٍ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ، وَتَقْدِيرُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا، فَالنَّفْسُ - أَيْضًا - تَقْبَلُ الصِّفَاتِ الْعَرَضِيَّةَ، بَلْ وَكَذَلِكَ كُلُّ جَوْهَرٍ سَوَاءٌ كَانَ لَطِيفًا أَوْ كَثِيفًا. فَقَوْلُكُمْ: " إِنَّ الْجَوْهَرَ اللَّطِيفَ لَا يَقْبَلُ عَرَضًا؛ مِثْلَ جَوْهَرِ النَّفْسِ وَجَوْهَرِ الْعَقْلِ وَجَوْهَرِ الضَّوْءِ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الْجَوَاهِرِ اللَّطِيفَةِ، كَلَامٌ بَاطِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>