جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَضْلِ. مَعَ أَنَّا لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ الْعَدْلَ وَنَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ الْمَسِيحُ - أَيْضًا - أَوْجَبَ الْعَدْلَ وَنَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ.
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ أَوْجَبَ الْفَضْلَ وَحَرَّمَ عَلَى كُلِّ مَظْلُومٍ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ ظَالِمِهِ، أَوْ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَنْدُبْ إِلَى الْإِحْسَانِ، فَهَذَا فِيهِ غَضَاضَةٌ بِشَرِيعَةِ الْمُرْسَلِينَ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّ ذِكْرَ الْعَدْلِ فِي التَّوْرَاةِ أَكْثَرُ، وَذِكْرَ الْفَضْلِ فِي الْإِنْجِيلِ أَكْثَرُ، وَالْقُرْآنُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى غَايَةِ الْكَمَالِ.
وَالْقُرْآنُ بَيَّنَ أَنَّ السُّعَدَاءَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ نَوْعَانِ: أَبْرَارٌ مُقْتَصِدُونَ، وَمُقَرَّبُونَ سَابِقُونَ؛ فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى تَحْصُلُ بِالْعَدْلِ: وَهِيَ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالثَّانِيَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْفَضْلِ: وَهُوَ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ.
فَالشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ تَجْمَعُ الْعَدْلَ وَالْفَضْلَ؛ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] .
فَهَذَا عَدْلٌ وَاجِبٌ، مَنْ خَرَجَ عَنْهُ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٨٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute