للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمْرُ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمَظْلُومِ بِالْعَفْوِ عَنِ الظَّالِمِ: لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ، بَلْ هُوَ مِنَ الْمُرَغَّبِ فِيهِ الَّذِي مَنْ فَعَلَهُ اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ وَالثَّوَابَ. وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ الْعَدْلَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ. وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إِيجَابِ الْعَدْلِ، وَبَيْنَ اسْتِحْبَابِ الْفَضْلِ.

لَكِنَّ إِيجَابَ الْعَدْلِ يَقْتَرِنُ بِهِ التَّرْهِيبُ وَالتَّخْوِيفُ فِي تَرْكِهِ، وَاسْتِحْبَابُ الْفَضْلِ يَقْتَرِنُ بِهِ التَّرْغِيبُ وَالتَّشْوِيقُ إِلَى فِعْلِهِ، فَذَاكَ فِيهِ رَهْبَةٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الرَّغْبَةِ. وَهَذَا فِيهِ رَغْبَةٌ بِلَا رَهْبَةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:.

{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ - إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: ١١٧ - ١١٨] .

وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بُعِثَ لِتَكْمِيلِ التَّوْرَاةِ، فَإِنَّ النَّوَافِلَ تَكُونُ بَعْدَ الْفَرَائِضِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>