للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى} [طه: ١٣٣] .

فَإِنَّهُ إِذَا أَتَاهُمْ بِبَيَانِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى - مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَمْ يُعَاشِرْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الصُّحُفِ الْأُولَى، وَلَا اسْتَفَادَ مِنْهُمْ عِلْمًا - كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ مِنَ اللَّهِ.

وَكَمَا أَنَّ إِخْبَارَهُ عَنْ أُمُورِ الْغَيْبِ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّبُوَّةَ إِنْبَاءٌ مِنَ اللَّهِ، لَيْسَ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ: (إِنَّهُ فَيْضٌ فَاضَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفْسِ الْفَلَكِيَّةِ أَوِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ) ، وَيَقُولُونَ: (إِنَّ النَّفْسَ أَوِ الْعَقْلَ هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَأَنَّ مَنِ اتَّصَلَتْ نَفْسُهُ بِهِ عَلِمَ مَا عَلِمَتْهُ الْأَنْبِيَاءُ) ، وَيَقُولُونَ: (النُّبُوَّةُ مُكْتَسَبَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَتُهَا) ، وَيَقُولُونَ: (إِنَّ سَبَبَ عِلْمِهِ بِالْغَيْبِ هُوَ اتِّصَالُ نَفْسِهِ بِالنَّفْسِ الْفَلَكِيَّةِ) ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَأَنَّ تَحْرِيكَهَا لِلْفَلَكِ هُوَ سَبَبُ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِي الْأَرْضِ، فَتَكُونُ عَالِمَةً بِمَا يَحْدُثُ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ. فَإِنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ بَاطِلَةٍ، قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى بُطْلَانِهَا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>