فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَغَيْرِهِ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ مَسَائِلَ، يَقُولُونَ فِيهَا: لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ: أَيْ وَمَنْ تَعَلَّمَهَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ السَّائِلِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَهَا، كَمَا جَاءَ - أَيْضًا -: " لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ ". فَكَانُوا يَمْتَحِنُونَهُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ لِيَتَبَيَّنَ هَلْ يَعْلَمُهَا، وَإِذَا كَانَ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ، كَانَ نَبِيًّا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ بِذَلِكَ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُمْ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كَانَ تَعَلَّمَهَا بَعْضُ النَّاسِ، لَكِنْ تَعَلَّمَهَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَؤُلَاءِ السَّائِلِينَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْبَشَرِ لَمْ يُعَلِّمْهُ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْعِلْمِ ; إِذْ لَوْ جَوَّزُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُمْ مِنِ امْتِحَانِهِ ; هَلْ هُوَ نَبِيٌّ أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُمْ إِذَا جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ تَعَلَّمَ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَانَ مِنْ جِنْسِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِهِ بِهَا وَإِجَابَتِهِمْ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ.
فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ السَّائِلُونَ يَقْطَعُونَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّمْ مَنْ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute