للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَّنَ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْحَقِّ قَاصِدًا لَهُ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي قُلْتُمُوهُ لَا يَتَوَلَّى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ قَصْدُهُ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّى عَنْهُ مَنْ قَصْدُهُ الْمُشَاقَّةَ وَالْمُعَادَاةَ، لِهَوَى نَفْسِهِ، وَهَذَا يَكْفِيكَ اللَّهُ أَمْرَهُ.

وَالْقُرْآنُ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ثُمَّ كَفَرَ بِهِ مَنْ كَفَرَ فَلَا أَحَدَ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ ; إِذْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ حَقٌّ فَهُوَ ضَالٌّ. وَالشِّقَاقُ قَدْ يَكُونُ مَعَ الْعِنَادِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ، فَإِنَّ الْآيَاتِ إِذَا ظَهَرَتْ فَأَعْرَضَ عَنِ النَّظَرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ كَانَ مُشَاقًّا ; وَلِهَذَا قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ:

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: ٥٣] .

فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيُرِي عِبَادَهُ مِنَ الْآيَاتِ الْأُفُقِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ:

{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: ٥٣] .

فَإِنَّ شَهَادَتَهُ وَحْدَهُ كَافِيَةٌ بِدُونِ مَا يَنْتَظِرُ مِنَ الْآيَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: ٤٣] .

وَشَهَادَتُهُ لِلْقُرْآنِ وَلِمُحَمَّدٍ، تَكُونُ بِأَقْوَالِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>