مِنْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَلَمَّا بُعِثَ إِنَّمَا تَبِعَهُ قَلِيلٌ.
وَكَانَ الْكُفَّارُ مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِ، مُجْتَهِدِينَ بِكُلِّ طَرِيقٍ يُمْكِنُ، تَارَةً يَذْهَبُونَ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ أُمُورٍ مِنَ الْغَيْبِ، حَتَّى يَسْأَلُوهُ عَنْهَا، كَمَا سَأَلُوهُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ وَأَهْلِ الْكَهْفِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَارَةً يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْمَعٍ بَعْدَ مَجْمَعٍ عَلَى مَا يَقُولُونَهُ فِيهِ، وَصَارُوا يَضْرِبُونَ لَهُ الْأَمْثَالَ، فَيُشَبِّهُونَهُ بِمَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ لِمُجَرَّدِ شَبَهٍ مَا مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ. فَتَارَةً يَقُولُونَ: مَجْنُونٌ. وَتَارَةً يَقُولُونَ: سَاحِرٌ. وَتَارَةً يَقُولُونَ: كَاهِنٌ. وَتَارَةً يَقُولُونَ: شَاعِرٌ. . . إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الَّتِي يَعْلَمُونَ - هُمْ وَكُلُّ عَاقِلٍ سَمِعَهَا - أَنَّهَا افْتِرَاءٌ عَلَيْهِ.
فَإِذَا كَانَ قَدْ تَحَدَّاهُمْ بِالْمُعَارَضَةِ - مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ - وَهِيَ تُبْطِلُ دَعْوَتُهُ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَيْهَا لَفَعَلُوهَا، فَإِنَّهُ مَعَ وُجُودِ هَذَا الدَّاعِي التَّامِّ الْمُؤَكَّدِ إِذَا كَانَتِ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً، وَجَبَ وُجُودُ الْمَقْدُورِ، ثُمَّ هَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ أَهْلِ الْأَرْضِ.
فَهَذَا الْقَدْرُ يُوجِبُ عِلْمًا بَيِّنًا لِكُلِّ أَحَدٍ بِعَجْزِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ بِحِيلَةٍ، وَبِغَيْرِ حِيلَةٍ. وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي يُكَرَّرُ جِنْسُهَا كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute