فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ جِيرَانِ الْبَيْتِ حِينَئِذٍ، بَلْ كَانَتْ لِأَجْلِ الْبَيْتِ أَوْ لِأَجْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي وُلِدَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ عِنْدَ الْبَيْتِ، أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا، وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ مِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ. فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ: إِنَّمَا كَانَتْ آيَةً لِلْبَيْتِ وَحِفْظًا لَهُ وَذَبًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْتُ اللَّهِ الَّذِي بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ. فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ مَنْ يَحُجُّ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ وَيُصَلِّي إِلَيْهِ إِلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُحَمَّدٌ هُوَ الَّذِي فَرَضَ حَجَّهُ وَالصَّلَاةَ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْبَيْتُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا مِنَ الْكَنَائِسِ الَّتِي لِلنَّصَارَى، حَتَّى إِنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ النَّصَارَى أَهْلَ الْكَنَائِسِ لَمَّا أَرَادُوا تَعْظِيمَ الْكَنَائِسِ وَإِهَانَةَ الْبَيْتِ، عُلِمَ أَنَّ دِينَ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ خَيْرٌ مِنْ دِينِ النَّصَارَى، وَالْمُشْرِكُونَ لَيْسُوا خَيْرًا مِنَ النَّصَارَى فَتَعَيَّنَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ مِنَ النَّصَارَى، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ نَبِيَّهُمْ صَادِقٌ، وَإِلَّا فَمَنْ كَانُوا مُتَّبِعِينَ لِنَبِيٍّ كَاذِبٍ فَلَيْسُوا خَيْرًا مِنَ النَّصَارَى بَلْ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ، كَأَتْبَاعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ - وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} [الفيل: ١ - ٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute