للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَسَبَبُ قَوْلِ كِسْرَى هَذَا اسْتِعْلَائُهُ: أَنَّ الْحَبَشَةَ كَانُوا قَدْ مَلَكُوا الْيَمَنَ، وَمَلِكُهُمْ سَارَ إِلَى مَكَّةَ بِالْفِيلِ ; لِيُخَرِّبَ الْبَيْتَ، وَكَانُوا نَصَارَى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ طَيْرًا أَبَابِيلَ، وَهِيَ جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ تَحْمِلُ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، فَأَلْقَتْهَا عَلَى الْحَبَشَةِ النَّصَارَى فَأَهْلَكَتْهُمْ، وَكَانَ هَذَا آيَةً عَظِيمَةً خَضَعَتْ بِهَا الْأُمَمُ لِلْبَيْتِ وَجِيرَانِ الْبَيْتِ.

وَعَلِمَ الْعُقَلَاءُ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ نَصْرًا مِنَ اللَّهِ لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ ; فَإِنَّ دِينَ النَّصَارَى خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ نَصْرًا لِلْبَيْتِ وَلِلْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ الَّتِي تُعَظِّمُهُ، وَلِلنَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ مِنَ الْبَيْتِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَامَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ - أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ - وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ - تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ - فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: ١ - ٥] .

ثُمَّ إِنَّ سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنَ ذَهَبَ إِلَى كِسْرَى، وَطَلَبَ مِنْهُ جَيْشًا

<<  <  ج: ص:  >  >>