للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْآيَةِ، وَإِمَّا عِنْدَ مُعَارَضَةِ السَّحَرَةِ لِتَبْتَلِعَ حِبَالَهُمْ، وَعِصِيَّهُمْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ آيَاتِهِ، حَتَّى إِغْرَاقِ فِرْعَوْنَ كَانَ بَعْدَ مَسِيرِ الْجَيْشِ، وَضَرْبِهِ الْبَحْرَ بِالْعَصَا، وَكَذَلِكَ تَفَجُّرُ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ كَانَ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَ الْحَجَرَ بِعَصَاهُ، وَاسْتِسْقَاءِ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، وَهُمْ فِي بَرِّيَّةٍ لَا مَاءَ عِنْدَهُمْ.

وَكَذَلِكَ آيَاتُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ تَكْثِيرِ الْمَاءِ، كَانَ بِوَضْعِ يَدِهِ فِيهِ حَتَّى نَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، أَيْ تَفَجُّرُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ نَفْسِ الْأَصَابِعِ، وَكَذَلِكَ الْبِئْرُ كَانَ مَاؤُهَا يَكْثُرُ إِمَّا بِإِلْقَائِهِ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فِيهَا، وَإِمَّا بِصَبِّهِ الْمَاءَ الَّذِي بَصَقَ فِيهِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْمَسِيحُ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ.

فَأَمَّا جَبَلٌ يَنْقَلِبُ يَاقُوتًا بِلَا أَسْبَابٍ تَقَدَّمَتْ ذَلِكَ فَهَذَا لَا كَانَ، وَلَا يَكُونُ، وَكَذَلِكَ نَهْرٌ يَطَّرِدُ يُصْبِحُ لَبَنًا بِلَا أَسْبَابٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فَهَذَا لَا كَانَ، وَلَا يَكُونُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الشَّيْءَ مُمْكِنٌ فَهَذَا يُعْنَى بِهِ شَيْئَانِ: يُعْنَى بِهِ الْإِمْكَانُ الذِّهْنِيُّ، وَالْإِمْكَانُ الْخَارِجِيُّ.

فَالْإِمْكَانُ الذِّهْنِيُّ هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ غَيْرُ الْعِلْمِ بِالْإِمْكَانِ، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْلَمِ امْتِنَاعَ شَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ مُمْكِنًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِعِلْمٍ بِإِمْكَانِهِ، وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِمْكَانِ الشَّيْءِ بِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ انْتِفَاءِ لُزُومِ كُلِّ مُحَالٍ، كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَالْآمِدِيِّ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ فِيمَا ذَكَرَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>