للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: ٥٢]

أَيْ إِمَّا النَّصْرُ وَالظَّفَرُ، وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ، ثُمَّ الدِّينُ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ الشُّهَدَاءُ يَنْتَصِرُ وَيَظْهَرُ، فَيَكُونُ لِطَائِفَتِهِ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَانَ شَهِيدًا، وَمَنْ عَاشَ مِنْهُمْ كَانَ مَنْصُورًا سَعِيدًا، وَهَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنَ النَّصْرِ، إِذْ كَانَ الْمَوْتُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَالْمَوْتُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَكْمَلُ بِخِلَافِ مَنْ يَهْلِكُ هُوَ وَطَائِفَتُهُ فَلَا يَفُوزُ لَا هُوَ وَلَا هُمْ بِمَطْلُوبِهِمْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.

وَالشُّهَدَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَاتَلُوا بِاخْتِيَارِهِمْ، وَفَعَلُوا الْأَسْبَابَ الَّتِي بِهَا قُتِلُوا، كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَهُمُ اخْتَارُوا هَذَا الْمَوْتَ إِمَّا أَنَّهُمْ قَصَدُوا الشَّهَادَةَ، وَإِمَّا أَنَّهُمْ قَصَدُوا مَا بِهِ يَصِيرُونَ شُهَدَاءَ عَالِمِينَ بِأَنَّ لَهُمُ السَّعَادَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَفِي الدُّنْيَا بِانْتِصَارِ طَائِفَتِهِمْ، وَبِبَقَاءِ لِسَانِ الصِّدْقِ لَهُمْ ثَنَاءً وَدُعَاءً بِخِلَافِ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ هَلَكُوا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ هَلَاكًا لَا يَرْجُونَ مَعَهُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ وَلَا لِطَائِفَتِهِمْ شَيْءٌ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا بَلِ أُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ، وَقِيلَ فِيهِمْ:

<<  <  ج: ص:  >  >>