بِالصِّدْقِ أَوِ الْكَذِبِ كَانَ ذَلِكَ دَلَالَةً أُخْرَى، وَقَدْ يَكُونُ مِمَّنْ يَكْذِبُ، وَلَكِنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ، دَعْ مَنْ يَسْتَمِرُّ عَلَى خَبَرٍ وَاحِدٍ بِضْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مَعَ أَصْنَافِ النَّاسِ، وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّاسَ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَالْخِبْرَةِ، وَالنَّظَرِ، وَالِاسْتِدْلَالِ فِي جَمِيعِ الْمَعَارِفِ، فَقَدْ يَتَفَطَّنُ الْإِنْسَانُ لِدَلَالَةٍ لَا يَتَفَطَّنُ لَهَا غَيْرُهُ، وَقَدْ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ، حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ يَتَفَاضَلُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٨ - ٧٩] وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الصَّادِقِ، وَكَذِبِ الْكَاذِبِ كَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمَعْلُومَاتِ قَدْ يَكُونُ ضَرُورِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ نَظَرِيًّا، وَهُوَ لَيْسَ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ، كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، بَلْ مِنَ الْعِلْمِ بِالْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ كَالْعِلْمِ بِحُمْرَةِ الْخَجِلِ، وَصُفْرَةِ الْوَجِلِ، وَعَدْلِ الْعَادِلِ، وَظُلْمِ الظَّالِمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْخَبِيرُ بِذَلِكَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا، وَإِذَا كَانَ اسْتِدْلَالِيًّا فَالْمَعْرِفَةُ بِالْعِلْمِ لَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute