للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِرْسَالَهُ لَهُمْ إِلَى الْأُمَمِ، وَمَجِيئَهُ بِالْإِنْجِيلِ، وَجَحْدِ مَجِيءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّوْرَاةِ، وَجَحْدِ أَنَّهُ كَانَ يَسْبِتُ ; فَإِنَّ النَّقْلَ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّتُهُ قَرِيبَةٌ، وَالنَّاقِلُونَ عَنْهُ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَنْ نَقَلَ دِينَ الْمَسِيحِ عَنْهُ، وَأَضْعَافُ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَنِ اتَّصَلَ بِهِ نَقْلُ دِينِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالُوا كَثِيرِينَ مُنْتَشِرِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَمَا زَالَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ ظَاهِرٌ بِالدِّينِ مَنْصُورٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ، بِخِلَافِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُمْ زَالَ مُلْكُهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْأَمْرِ لَمَّا خَرِبَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الْخَرَابَ الْأَوَّلَ بَعْدَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَقَصَ عَدَدُ مَنْ نَقَلَ دِينَهُمْ حَتَّى قَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَنْ يَحْفَظُ التَّوْرَاةَ إِلَّا وَاحِدٌ.

وَالْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَنْقُلْ دِينَهُ عَنْهُ إِلَّا عَدَدٌ قَلِيلٌ لَكِنَّ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ مُعْصَمُونَ مِثْلَ: إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا وَصَلْنَا إِلَيْهِ، إِذِ الْمَقْصُودُ هُنَا بَيَانُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ إِلَّا إِلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَإِنَّهُ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ أَوْ غَايَةِ الْمُكَابَرَةِ وَالْمُعَانَدَةِ، فَإِنَّ هَذَا أَعْظَمُ جَهْلًا وَعِنَادًا مِمَّنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالطَّهَارَةِ وَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَيُحَرِّمُ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ، وَأَعْظَمُ جَهْلًا وَعِنَادًا مِمَّنْ يُنْكِرُ مَا تَوَاتَرَ مِنْ أَمْرِ الْمَسِيحِ، وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ: عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إِلَيْنَا بَلْ إِلَى جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>