للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] .

ثُمَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَانِعًا أَنْ يَأْمُرَ بِقِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ ; حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، بَلْ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْمَجُوسِ بِسُنَّتِهِ وَاتِّفَاقِ أُمَّتِهِ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِنُبُوَّتِهِ، فَكَيْفَ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ نُبُوَّتِهِ، وَالنَّبِيُّ لَا يَتَنَاقَضُ قَوْلُهُ؟ وَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِعُمُومِ دَعَوْتِهِ وَرِسَالَتِهِ مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِنُبُوَّتِهِ، وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِنُبُوَّتِهِ، فَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ الْيَقِينِيُّ لَا يُعَارِضُهُ شَيْءٌ، وَلَكِنَّ هَذَا شَأْنُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ: النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ وَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ، وَبِسَبَبِ مُنَاظَرَةِ النَّصَارَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتَشَابِهِ، وَعُدُولِهِمْ عَنِ الْمُحْكَمِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>