للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَحْنُ نَذْكُرُ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الرُّسُلِ عَلَى صِحَّةِ دِينِهِمْ وَأَيْضًا، فَإِنَّ الَّذِينَ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِمْ مِثْلَ مُوسَى وَدَاوُدَ وَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِمْ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوا أَنَّهُمْ أَنْبِيَاءُ بِدَلِيلٍ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ كَالِاسْتِدْلَالِ بِآيَاتِهِمْ وَبَرَاهِينِهِمُ الَّتِي تُسَمَّى بِالْمُعْجِزَاتِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَدِ اعْتَقَدُوا ذَلِكَ بِلَا عِلْمٍ وَلَا دَلِيلٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا احْتَجُّوا بِذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ نُبُوَّةَ هَؤُلَاءِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِمْ.

أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ أَيُّ طَرِيقٍ ثَبَتَتْ بِهَا نُبُوَّةُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -، فَإِنَّهُ تَثْبُتُ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِهَا وَأَعْظَمِ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ، فَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَدَاوُدَ وَعِيسَى وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَقَضُوا دَلِيلَهُمْ فَجَعَلُوهُ قَائِمًا مَعَ انْتِفَاءِ مَدْلُولِهِ وَإِذَا انْتُقِضَ الدَّلِيلُ بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ إِذَا كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَدْلُولِ.

فَإِذَا كَانَ تَارَةً يُوجَدُ مَعَ الْمَدْلُولِ وَتَارَةً لَا يُوجَدُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا؛ فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ الْمُعْجِزَاتِ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّةِ نَبِيٍّ وَقَالَ: الْمُعْجِزَةُ هِيَ الْفِعْلُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ الْمَقْرُونُ بِالتَّحَدِّي السَّالِمِ مِنَ الْمُعَارَضَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَجَعَلُوا ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.

قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ هَذَا دَلِيلًا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى

<<  <  ج: ص:  >  >>