ذَلِكَ فَرَأَى سَائِرُ أَهْلِ النُّسَخِ تِلْكَ النُّسْخَةَ مُغَايِرَةً لِنُسَخِهِمْ فَأَنْكَرُوهُ، فَإِنَّ الْهِمَمَ وَالدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ، كَمَا يُوجَدُ الْيَوْمَ مِثْلُ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُغَيِّرَ كِتَابًا مَشْهُورًا عِنْدَ النَّاسِ، بِهِ نُسَخٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِذَا غَيَّرَهُ فَوَصَلَتْ تِلْكَ النُّسْخَةُ إِلَى مَنْ يَعْرِفُ مَا فِي تِلْكَ النُّسَخِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ.
فَيُقَالُ: هَذَا يُمْكِنُ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ النُّسْخَةُ الْمُغَيَّرَةُ وَصَلَتْ إِلَى طَائِفَةٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَإِنَّهُ كَمَا يَمْتَنِعُ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ، فَيَمْتَنِعُ التَّوَاطُؤُ عَلَى كِتْمَانِ مَا يَتَعَذَّرُ كِتْمَانُهُ فِي الْعَادَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ التَّوَاطُؤُ عَلَى تَغْيِيرِ بَعْضِ النُّسَخِ، وَالنُّسَخُ إِنَّمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ عَامَّتُهُمْ يَحْفَظُ أَلْفَاظَهَا كَمَا يَحْفَظُ عَوَامُّ الْمُسْلِمِينَ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ فَإِذَا قَصَدَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَغْيِيرَ نُسْخَةٍ أَوْ نُسَخٍ عِنْدَهُمْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا تَوَاطَأَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى عَلَى أَنْ لَا يَذْكُرُوا ذَلِكَ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَتِ الطَّوَائِفُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهَا عَلَى الْكَذِبِ أَوِ الْكِتْمَانِ امْتَنَعَ ذَلِكَ فِيهِمْ.
وَقَدْ رَأَيْنَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ كُتُبًا يَدَّعُونَ أَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَطِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِيهَا أُمُورٌ تَتَعَلَّقُ بِأَغْرَاضِهِمْ، وَقَدِ الْتَبَسَ أَمْرُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَعَظَّمُوا مَا فِيهَا وَأَعْطَوْا أَهْلَ الْكِتَابِ مَا كُتِبَ لَهُمْ فِيهَا مُعْتَقِدِينَ أَنَّهُمْ مُمْتَثِلِينَ مَا فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute