للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعِبْرَانِيِّ، وَالْهِنْدِيِّ، فَإِنْ كَانَ فِي الْعَالَمِ بِكُلِّ كِتَابٍ مِنْ هَذِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ لِسَانًا فَدَعْوَى اتِّفَاقِ نُسَخِ كُلِّ لِسَانٍ مِنْ جِنْسِ دَعْوَى اتِّفَاقِ النُّسَخِ الْعَرَبِيَّةِ، فَكَيْفَ إِذَا ادَّعَى اتِّفَاقَ النُّسَخِ بِجَمِيعِ الْأَلْسِنَةِ؟

وَهَبْ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي نُسَخِ لِسَانٍ نَقَلَهَا أَهْلُهُ، وَالنَّاطِقُونَ بِهِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ دَعْوَاهُ فِي لِسَانٍ كَثُرَ النَّاطِقُونَ بِهِ وَانْتَشَرَ أَهْلُهُ؟

وَلَيْسَ هَذَا كَدَعْوَى اتِّفَاقِ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَتَوَقَّفُ نَقْلُهُ عَلَى الْمَصَاحِفِ، بَلِ الْقُرْآنُ مَحْفُوظٌ فِي قُلُوبِ أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوْ عُدِمَ كُلُّ مُصْحَفٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي نَقْلِ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ قَلَّ أَنْ نَجِدَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدًا يَحْفَظُ كِتَابًا مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ، فَقَلَّ أَنْ يُوجَدَ مِنَ الْيَهُودِ مَنْ يَحْفَظُ التَّوْرَاةَ.

وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَا يُوجَدُ فِيهِمْ مَنْ يَحْفَظُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالنُّبُوَّاتِ كُلَّهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْفَظَهَا بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، (وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ لَا الْكَذِبُ وَلَا الْغَلَطُ) .

فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ انْتِشَارِ كُتُبِهِمْ بِالْأَلْسِنَةِ الْمُخْتَلِفَةِ هُوَ مِنْ أَقْوَى الْأُمُورِ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِتَمَاثُلِ مَا فِيهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ إِذَا كَانَ مَنْقُولًا، بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ اللِّسَانُ يَحْفَظُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ أَلْفَاظِهِ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>