في أول الكتاب حيث رغب الناس في كتابه الذي قد اشتمل على التخرص في النجوم وزعم أن الكثير من الشباب اليوم في حاجة ماسة إليه وإلى أمثاله من الكتب المضلة, ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:
يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن بالحسن>
وأحسن من ذلك, وأبلغ قول الله تعالى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}.
الوجه الخامس: ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه "بيان فضل علم السلف على علم الخلف" حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق» ثم قال: وهذا محمول على علم التأثير لا علم التسيير فإن علم التأثير باطل محرم والعمل بمقتضاه؛ كالتقرب إلى النجوم وتقريب القرابين لها كفر. وأما علم التسيير فإذا تعلم ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القلة والطرق كان جائزا عند الجمهور وما زاد عليه, فلا حاجة إليه وهو يشغل عما هو أهم منه. وكذلك التوسع في علم الأنساب, هو مما لا يحتاج إليه, وقد سبق عن عمر وغيره النهي عنه.
قلت قد تقدم حديث عمر رضي الله عنه في أول الكتاب, وتقدمت الإشارة إليه في الوجه الرابع.
قال ابن رجب وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحوا هو مما يشتغل عن العلم الأهم والوقوف معه يحرم علما نافعا. وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال: أوله شغل وآخره بغي. وأراد به التوسع فيه. وكذل كره الإمام أحمد التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر على أبي عبيد توسعه في ذلك وقال: هو يشغل عما هو أهم منه. ولهذا يقال العربية في الكلام كالملح