ولو كان الأمر على ما زعمه الصواف, لقال عن هؤلاء المذكورين في هذه الأحاديث: إنهم يكونون يوم القيامة مع الأطباء والفلكيين.
وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث, فليعلم أيضا أنه لا خلاف بين المسلمين أن أعظم الناس إيمانا بالله الأنبياء ثم الصديقون ثم الناس بعد ذلك متفاوتون في كثرة الإيمان وقلته. والأطباء والفلكيون المنتسبون إلى الإسلام هم من أقل الناس حظا من الإيمان كما لا يخفى على من تتبع أخبارهم وسبر أحوالهم. وأما الأطباء والفلكيون من غير المسلمين فهم من أكفر الناس. أما أطباء اليونان وفلاسفتهم الفلكيون في قديم الدهر فكانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب. وأما أطباء الإفرنج وفلاسفتهم الفلكيون فهم ما بين دهري وعابد صليب. فأي إيمان بالله عند هؤلاء الإفرنج وأولئك اليونان فضلا عن شدة الإيمان التي تفوق إيمان الرسل فضلا عن غيرهم من الناس؟ وأنه ليصدق على الصواف قول القائل:
لقد كان في الأعراض ستر جهالة ... غدوت بها من أشهر الناس في البلد
والغالب على الفلكيين من فلاسفة الإفرنج الإيمان بالجبت والطاغوت لما في كثير من كلامهم من التحكم على الغيب وتصديق من يدي علم المغيبات من الأجرام العلوية وغيرها, وقد ذكر الصواف في رسالته شيئا كثيرا من دعاويهم الكاذبة في ذلك, وقد نبهت عليها في مواضعها, ولله الحمد والمنة. ومن كانوا كذلك فالمطابق لأحوالهم على الحقيقة أن يوصفوا بشدة الإيمان بالجبت والطاغوت, لا بشدة الإيمان بالله.