والسنة المذكورين آنفا مطر عظيم وسيل جارف يشبه ما أصابها في رابع الشهر.
وأذاع المنجمون في بعض بلاد الإفرنج أنه سيكون في بلاد الحجاز مطر عظيم يستمر أربعا وعشرين ساعة، وقد صدقهم الجهال في الزعم الكاذب وارتقبوا ما وعدوهم به من الطوفان، وزادهم فتنة وتصديقا بأقوال المنجمين أن الغيوم لم تزل متراكمة فوق مكة في تلك الأيام ولكن بدون مطر.
ولما كان في اليوم الثامن من ذي القعدة، وهو يوم الأحد أغلق الجهال بعض أبواب المسعى التي من جهة المشرق، ووضعوا عليها من جهة المسعى خشبًا غلاظًا لتمنعها أن تنفتح إذا جاءها السيل الذي وعد به المنجمون.
ولما كان في اليوم العاشر وهو يوم الثلاثاء أغلقوا جميع أبواب المسعى وردموها بالخشب، سوى مصراع واحد من جهة الصفا تركوه للناس يدخلون منه ويخرجون، وقد كنت أرى صنيعهم في الأبواب وأتعجب منه، ولا أدري ما مرادهم من ذلك؛ لأني لم أسمع بأكاذيب المنجمين عليهم، ولما كان بعد صلاة المغرب من ليلة الأربعاء جلست مع بعض العلماء في الحرم، فذكرت له ما رأيت من صنيعهم في أبواب المسعى، فأخبرني بما زعمه المنجمون من وقوع السيل العظيم المماثل لما وقع منذ أسبوع، فقلت كذب المنجمون وسيظهر كذبهم ويفتضحون إن شاء الله تعالى، وإني لأرجو أن تكون السماء في الغد صحوا ليس فيها قزعة، وبينما نحن جلوس إذ وقع علينا مطر خفيف، فانفض الجهال، وتسابقوا إلى الأبواب يخرجون من الحرم فعجبنا من صنيعهم ومن تلاعب الشيطان بهم، وقد نمنا تلك الليلة والغيوم متراكمة.
ولما خرجت لصلاة الصبح من يوم الأربعاء الذي وعد المنجمون بوقوع الطوفان فيه إذا السماء صحو ليس فيها قزعة، وقد أقمت بعد ذلك عدة أيام في مكة شرفها الله تعالى، والسماء لا تزال في تلك الأيام صحوا ليس فيها قزعة. فالحمد لله على إبطال قول المنجمين وإظهار كذبهم لعباده. ولقد