للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لشرعه ودينه، وكما قيل: (لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت) (١)، بخلاف البدعة؛ فإن صاحبها يرى أنه موقر لله، معظم لشرعه ودينه، ويعتقد أنه قريب من ربه، وأنه ممتثل لأمره، ولهذا كان السلف يقبلون رواية المبتدع إذا لم يكن داعية إلى بدعته، ولم يكن ممن يستحل الكذب، بخلاف من يقترف المعاصي فإنه فاسق، ساقط العدالة، مردود الرواية باتفاق.

٥ - ولأجل ذلك أيضًا فإن المعصية تنفرد بأن صاحبها قد يُحدِّث نفسه بالتوبة والرجوع، بخلاف المبتدع؛ فإنه لا يزداد إلا إصرارًا على بدعته لكونه يرى عمله قربة، خاصة أرباب البدع الكبرى كما قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} وقد قال سفيان الثوري: (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها والبدع لا يتاب منها) وفي الأثر أن إبليس قال: (أهلكت بني آدم بالذنوب، وأهلكوني بالاستغفار وبـ (لا إله إلا الله) فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء، فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا) (٢).


(١) الجواب الكافي (٥٨، ١٤٩ - ١٥٠)، والاعتصام (٢/ ٦٢).
(٢) انظر المصدرين السابقين.

<<  <   >  >>