بخلاف المصلحة المرسلة؛ فإنها - لكي تعتبر شرعًا - لا بد أن تندرج تحت مقاصد الشريعة، وأن تكون خادمة لها، وإلا لم تعتبر.
٥ - وتنفرد المصلحة المرسلة بأن عدم وقوعها في عصر النبوة إنما كان لأجل انتفاء المقتضي لفعلها، أو أن المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه، بخلاف البدعة فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها، وتوفر الداعي، وانتفاء المانع.
والحاصل: أن المصالح المرسلة إذا روعيت شروطها كانت مضادة للبدع، مباينة لها، وامتنع جريان الابتداع من جهة المصلحة المرسلة؛ لأنها - والحالة كذلك - يسقط اعتبارها ولا تسمى إذ ذاك مصلحة مرسلة، بل تسمى إما مصلحة ملغاة أو مفسدة.
[المسألة الثامنة: خصائص البدعة]
بنظرة فاحصة في القيود الثلاثة الواردة في المعنى الشرعي للبدعة يمكننا استخراج سمات البدعة وخصائصها، تلك الخصائص التي تفترق بها البدعة عما يشتبه بها ويقترب منها. وهي أربع خصائص:
الأولى: أنه لا يوجد في النهي عن البدعة - غالبًا - دليل خاص (١)، وإنما يستدل على النهي عنها والمنع منها بالدليل الكلي العام.
(١) يستثنى من ذلك البدع التي نُهي عنها بأعيانها، وهي قليلة جدًا. انظر اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٥٨٦، ٥٨٧).