ورأيت أيام العراق، زهرة أيامنا أنا وأنور وزينتها، أيام بغداد ... سلام المحبة والوفاء منا على بغداد، وسلام على أهليها، وسلام على الأثري والجوادي وروح الراوي وعلى إخواننا وعلى تلاميذنا (١) فيها.
ويا ما كان أحلى أيام بغداد، ويا ما أبهى لياليها، ويا ما أطيب ما حملنا منها من ذكريات! على دجلتها سلام بردى، وعلى نخيلها سلام الحور، وعلى أبوذيّتها سلام العتابا، وعلى أعظميتها وكرّادتها ورستميتها سلام الربوة والمزة والشاذروان ...
لقد كنّا فيها معاً أبداً؛ يدرّس أنور في صف وأنا في صف، وربما دخلت فدرّست مكانه وقعد فاستمع، وربما دخل فدرّس مكاني وقعدت فاستمعت. ونمشي على الجسر معاً، وما في الأرض مكان أحفل بذكريات المجد والشعر والغرام من جسر بغداد. ونتبع الشط، ونرتاد الرياض، نزور قصور الخلفاء ومواطن الشعراء وخلوات المحبين، نؤم الديارات والأطلال والمقابر، نتنسم عرف الأجداد ونستروح رائحة الماضي، نستنطق دجلة ونستخبر الآثار ونسأل النخيل، ونسمع من الأرض ومن الناس أخبار الماضي الفخم، وأحاديث الجدود العبقريين، وقصص المجد الذي لم ترَ عينُ الزمان ولم يحمل متنُ الأرض مجداً أجلّ
(١) ومنهم عبد السلام عارف والحاج سري الشهيد وأخوه العقيد مدحة والعقيد نعمان والدكتور مصطفى كامل عميد كلية الحقوق سابقاً ومنهم وزراء ومحامون ومنهم الصديق الوفي العقيد جهاد عبد الوهاب والأديب نجدة فتحي صفوة وآخرون لا يحصيهم العد.